Tuesday, April 29, 2014

..عن متاعب صغار الصحفيين


سيقولون لك إنك أصبحت جزءاً من السلطة الرابعة، إنك الآن تتحمل مسئولية محاسبة المسئولين، إنك صوت لا يجب أن يسكت، و قلم لا يجب أن ينكسر، إنك تساهم في تشكيل الرأي العام...سيطعمونك كثيراً من هذا الهراء في دراستك، في النظريات و كتب الجامعة..و ستصدقهم.

سيقولون لابد أن تمر بهذه الفترة الصعبة في بداية حياتك الصحفية، سيتركونك تذهب في مظاهرات و انتخابات و مقابلات بلا تعيين حقيقي كجزء من "تدريب" تحصل عليه حتى تصبح مثلهم. لاحظ هنا إنك مش هتاخد فلوس، انت هتاخد على قفاك بس! وإذا كان عاجبك يا عم السلطة الرابعة! مربط الفرس إنك شخصية معرضة لقلة القيمة في أي يوم و كل يوم: من الناس في الشارع، من المصادر، من الأمن و من المحررين و الصحفيين الكبار!

فكرة "الويك إند" بالنسبة للصحفيين و الإعلاميين عمتاً عيب و حرام و تتهزلها السبع سموات. أنت هتشتغل خميس و جمعة و سبت حتى تفقد الإحساس بالأيام و يصبح هذا هو "الطبيعي" بالنسبة لك..و الإحساس نعمة، كلنا عارفين...

-أنا عايزة أكتب عن الموضوع الفلاني
-لأ تتحبسي
-طب الموضوع الفلاني
-لأ الناس مش مهتمة
-طب الموضوع العلاني
-لأ ده أنا شغال عليه
-طب عبوكوا كلكوا (في سري طبعاً!)

الصحفيين أنواع:
-النوع المصري الفقير اللي مش لاقي ياكل و اللي ممكن يشتغل في جورنال ثوري الصبح و قناة فلول بعض الضهر و يكتب تقارير لأمن دولة بالليل لزيادة دخله

-النوع الأجنبي "الفري لانسر" لمؤاخذة و مراسلي الجرائد و الوكالات الأجنبية، و دول بيبقوا غالباً أجانب، عندهم نظرة سطحية متعالية و فاكرين أنهم أحسن من رعاع المصريين اللي مش عارفين مصلحتهم و مش فاهمين في الديمقراطية ولا التمدن ولا السياسة. من الآخر عقدة الرجل الأبيض. بس هنا الرجل الأبيض ده معاه فلوس، وهو اللي فاتح المكتب عندك: هتشتغل بشروطه، أو هيفكك بثلاثة مراسلين مصريين يترجم شغلهم و يكتب اسمه عليه..

و في أنواع تانية كتير: النوع الانتهازي المتسلق، النوع المنافق المتملق، النوع التنافسي المريض و غيرهم...

الصحافة بطبيعتها شغلانة تنافسية، الطبيعي أن الناس تحاربك، اللي مش طبيعي انهم يساعدوك. محدش هيقولك حاجة..هتفهم لوحدك..قدام شوية..

أستيقظ ساعة متأخرة، أهرول لأعثر على الموبايل، فاكتشف أن قنبلة انفجرت في المكان الفلاني، أو أن المظاهرات قوية في المكان العلاني..و في الوقت الذي ينبه الناس بعضهم البعض بالابتعاد عن أماكن المشاكل...تذهب أنت بينما لم تفق من نومك، لأماكن المشاكل، برجليك و بإرادة حرة! لتجلب تعليق..مشهد..صورة..قد تكلفك عمرك، ليضعها محرروك في بضعة سطور، يقرأها أقلية..

-شنط البنات: ميك أب، مراية، بيرفيوم، مناديل و هاند جيل
-شنطة الصحفية: كراريس و ورق و أقلام و ورق، ورق، و ورق تاني، و لاب توب، و مسجل، و كاميرا، و قناع للغاز و في الظروف دي ساعات بنشيل مطاوي!

بطبيعة الحال في مصر، إذا لم تكن ذكر مسلم، فأنت في دائرة الخطر! مجرد الوجود في واقع "الفتاة الغير محجبة" يفترض أن الناس إما لن يأخذوك على محمل الجد، أو إنهم سيجعلون حياتك أصعب، من نظراتهم، من شكوكهم و في كل الحالات من شرفائهم، و مخبريهم و أمنجييهم..

كل الناس تتخرج، تتسجل في النقابة بتاعتها، عادي، إجراء روتيني، إلا احنا! لو عايز تتسجل في النقابة لازم "تتعين" في "جريدة" "مصرية" لمدة لا تقل عن سنة و تجيب رجل نملة أرملة و حتة من جلبية اللي مشغلك عشان "الحجاب" يشتغل!

أنت كداب، طب أنت مرتشي، طب ناقل الكلام، طب أنت متهم حتى تثبت براءتك.

القراء في الأغلب سيهتمون بقصص الفنانين و فضائح الجنس أكثر من التقرير عن المهمشين أو التحقيق عن الفساد الذي أمضيت شهوراً –و ربما سنيناً- مضنية في العمل عليه، واقع لابد أن تعترف به و تقبله..

و أخيراً، لماذا يصر من لهم فرصة أن يغيروا المهنة على "الهم" ده؟ و الحقيقة إنه لو عندي إجابة لما كنت كتبت المرفق أعلاه..